كشفت الحرب القصيرة بين إيران وإسرائيل، التي اندلعت في يونيو 2025، عن مستوى جديد من الحروب الدعائية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل غير مسبوق. ظهرت أولى ملامح هذه الظاهرة عندما تلقّت منظمة ويتنس مقطع فيديو عبر واتساب يظهر سحب دخان تتصاعد من سجن إيفين سيئ السمعة بطهران، مع رسالة تقول: "إنهم يحاولون فتح إيفين".
أشارت إسرائيل إلى الهجوم كتحرك رمزي ضد القمع، لكن على مواقع التواصل نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية فيديو آخر يظهر تفجير بوابة السجن بدقة، مرفقًا بعبارة "يحيى الحرية". تحليل الخبراء كشف أن المقطع الأخير مزيف، وربما جرى تصنيعه باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
خداع رقمي وسط مأساة حقيقية
وفقًا لمؤسسة كارنيجي، تسبب القصف الحقيقي للسجن في مقتل مدنيين وزوّار ومعتقلين، بينما نقلت السلطات الناجين إلى سجون أشد قسوة. ورغم ذلك، حاولت الرواية الإسرائيلية تضليل الرأي العام بعرض الهجوم وكأنه ضربة دقيقة لتحرير المعتقلين.
في طهران، عانى المواطنون من انقطاع الإنترنت وتضارب الروايات. بعض السكان ظنّ أن إسرائيل لا تستهدفهم، لكن الواقع كشف خلاف ذلك. على سبيل المثال، قُتلت الشاعرة الشابة بارنيا عباسي مع عائلتها في حي ستارخان، رغم شعور السكان بالأمان الزائف. وأدى الاعتماد على الإعلام الرسمي خلال الانقطاع، ثم التعرض لمحتوى مزيف عند عودة الإنترنت، إلى نشر خرافات متضاربة عن الحرب.
مستوى غير مسبوق من المحتوى المصنّع
خلال الحرب، انتشر كمّ هائل من المقاطع والصور المزيفة، مثل فيديوهات مفبركة لمظاهرات مؤيدة لإسرائيل داخل إيران، أو مقاطع تُظهر صواريخ تضرب تل أبيب، جميعها منشورة بعلامات مائية لتقنيات مثل Google Veo. حتى التلفزيون الإيراني الرسمي بث صورًا وهمية لإسقاط طائرات F-35، مما عزز الضبابية حول الحقائق.
سرعة تداول هذه المواد المضلّلة كانت مذهلة؛ انتشر فيديو تفجير سجن إيفين على مواقع التواصل خلال ساعة فقط من الحدث، ووصل إلى قنوات إخبارية موثوقة مثل بي بي سي وسكاي نيوز، ما ساهم في تضخيم الروايات غير الدقيقة.
أزمة الثقة في المحتوى الرقمي
التحقّق من صحة المقاطع أصبح أكثر صعوبة. أحد الفيديوهات التي تداولها الإعلام الإيراني في 15 يونيو، ويُظهر قصفًا إسرائيليًا لشارع بورهان بطهران، خلّف شكوكًا رغم تأكيد الضربة ووجود ضحايا. فريق الاستجابة السريعة لتحليل المقاطع من ويتنس أشار إلى علامات توليد بالذكاء الاصطناعي، بينما جهات أخرى مثل BBC Verify لم تجد أدلة قاطعة على التزييف.
هذه التناقضات تُبرز ضعف أدوات الكشف، خصوصًا في البيئات التي تفتقر إلى حرية المعلومات. أدوات مثل Google SynthID أو إطار عمل C2PA تسعى إلى إثبات أصل المحتوى عبر العلامات المائية أو البيانات التعريفية، لكنها تظل غير متاحة على نطاق واسع، ولا تناسب دائمًا ظروف الصراع أو القيود الرقمية الصارمة مثل الموجودة في إيران.
أدوات لا تناسب الخطوط الأمامية
تصميم أدوات تحقق تربط الهوية بالمحتوى قد يهدد المستخدمين في الدول القمعية، حيث تسعى الأنظمة إلى تتبع المعارضين. لذا تدعو مؤسسة ويتنس إلى تطوير أدوات تركّز على تحليل المحتوى نفسه دون كشف هوية صانعه، مع مراعاة حقوق الإنسان منذ المراحل الأولى للتصميم.
حرب الحقيقة مستمرة
رغم دخول الصراع الإيراني الإسرائيلي في هدنة هشة، تستمر معركة الواقع. في زمن أصبح فيه المحتوى المزيف لا يقل خطورة عن الصواريخ، يحتاج العالم إلى تحرك عاجل لضمان كشف الحقيقة وسط ضجيج الذكاء الاصطناعي، لحماية المدنيين والحق في الوصول إلى المعلومات الدقيقة.
https://carnegieendowment.org/research/2025/07/iran-israel-ai-war-propaganda-is-a-warning-to-the-world?lang=en